فصل: مسألة حبس الرجل في القتل فعفي عنه بعد التثبت:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يجرح فيعتقه سيده وهو مجروح ثم ينزى في جرحه فيموت:

ومن كتاب بع ولا نقصان عليك:
وسئل عن العبد يجرح فيعتقه سيده وهو مجروح ثم ينزى في جرحه فيموت، قال: قال مالك: عقله عقل حر الدية كاملة قلت: كان عمدا أو خطأ؟ قال: نعم كان عمدا أو خطأ، قلت بقسامة أم بغير قسامة؟ قال: بل بقسامة، وكيف يستحق دم من قد عاش صاحبه إلا بقسامة، قلت له: فما باله لا يقتل به في العمد؟ قال: القتل عظيم للشبهة التي دخلته، ولو قال قائل ديته دية عبد لكان له مطعن فلا أرى له في العمد والخطأ إلا الدية، فلو كان الجارح أنفذ مقاتله فأعتقه سيده على تلك الحال قال أليس يورث بالحرية قلت: بلى. قال فسواء أنفذ مقاتله أم لا أرى فيه الدية كاملة.
قال محمد بن رشد: لأشهب في كتاب ابن سحنون أن ديته دية عبد لسيده وهو القياس، لأنه وإن كان مات وهو حر فإنما مات من الجرح الذي أصيب به وهو عبد، وقول ابن القاسم وروايته عن مالك في هذا استحسان لأنه هو راعي حاله يوم الجرح فيوجب القيمة لسيده، ولا يوم الموت فيوجب القصاص على قاتله وأوجب الدية كاملة في ماله مع القسامة إذا ثبت الجرح أو بقول المقتول بعد عتقه أو بعد إسلامه على ما قاله في سماع سحنون يريد في العمد والخطأ لأن أصل الجناية في حال الرق والعاقلة لا تحمل الجناية على العبد، فكما لا يقتص من الجاني من أجل أن الجناية بحال الرق، فكذلك لا تكون الدية في الخطأ على العاقلة من أجل أن أصل الجناية في حال الرق، ولو لم يمت العبد بعد العتق من ذلك الجرح إلا أنه تراقى إلى مأمومة أو إلى شيء آخر فأما إذا تراقى إلى شيء آخر مثل أن يجرحه موضحة أو يقطع أنفه وهو عبد فيذهب من ذلك بعد عتقه عينه أو ما أشبه ذلك فللسيد في الموضحة نصف عشر قيمته، وفي قطع أنفه ما نقص من قيمته، وللعبد في ذهاب عينه دية عين حر خمسمائة في مال الحر أيضا إن كان الجاني حرا وفي رقبة العبد إن كان الجاني عبدا يخير سيده بين أن يفتكه بذلك أو يسلمه إلا أن يشاء السيد القصاص إن كانت الجناية عمدا والجاني عليه عبد فلا يكون له إلا ذلك وليس له هو قصاص فيما تراقى إليه جرحه بعد العتق للشبهة في ذلك بكون الجرح في حال الرق، كما لا يقتص منه في العمد إذا آل الجرح بعد العتق إلى النفس للشبهة التي دخلته، وأما إذا تراقى إلى زيادة في الجرح لا إلى شيء آخر مثل أن يجرحه وهو عبد موضحة فتصير بعد عتقه منقلة أو مأمومة أو منقلة فتصير مأمومة وما أشبه ذلك ففيه اختلاف قيل: إنه يكون عليه لسيده عقل موضحة العبد نصف عشر ثمنه، ويكون له هو ما بين الموضحة والمنقلة أو المأمومة من دية الحر بمنزلة إذا تراقى إلى شيء آخر، وهو قول سحنون في أول سماع ابن القاسم من كتاب الجنايات، والذي يأتي على مذهب ابن القاسم وأحد قولي مالك في أول سماع ابن القاسم من كتاب الجنايات في أن من جرح موضحة فصارت منقلة يقتص له من الموضحة، ويكون له عقل ما بين الموضحة والمنقلة، ويأتي على قياس القول بأنه ليس له إلا عقل المأمومة أن يكون للسيد إذا اعتق عبيده بعد أن جرح موضحة فصارت منقلة عقل منقلة، وقال ابن الماجشون على جارحه دية منقلة حر يريد للعبد المعتق فحكم للمجروح بمال آل إليه المجروح من المنقلة، وهذا القول الثالث أبعد الأقوال، لأنه جعل تراقي الجرح بعد إلى العتق إلى مأمومة كتراقيه إلى الموت على مذهب ابن القاسم الذي يرى في ذلك الدية دية الحر كاملة.
وأما قوله إذا أنفذت مقاتله وهو عبد ثم أعتق إن فيه الدية كاملة؛ لأنه يورث بالحرية ففيه نظر، والقياس أن تكون قيمته لسيده وميراثه له بالرق، وقد روى عن سحنون فيمن انفذت مقاتله أن وصيته لا تجوز وقع ذلك من قوله في الجهاد من النوادر، فعلى قوله لا يرث ولا يورث، وقال غيره إن وصية جائزة وقد أوصى عمر حين طعن فجازت وصيته فقول ابن القاسم في هذا يأتي على قياس رواية أبي زيد فيمن أنفذ مقاتل رجل ثم أجهز عليه آخر إن الآخر يقتل به ويعاقب الأول.
فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال بالتفرقة بين أن يعتق العبد أو يسلم النصراني قبل أن تنفذ مقاتله أو بعد أن أنفذت مقاتله وبالله التوفيق.

.مسألة حبس الرجل في القتل فعفي عنه بعد التثبت:

ومن كتاب لم يدرك:
وقال إذا حبس الرجل في القتل فعفي عنه بعد التثبت بالبينة أو بالقسامة جلد مائة واستقبل به حبس سنة من يوم يجلد ولا يحسب في السنة ما حبس قبل ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لأن الحبس الذي حبس قبل العفو حق للولي والحبس الذي بعد العفو حق لله فلا يدخل أحدهما في الآخر وبالله التوفيق.

.مسألة الثور العقور إذا عرف بالعداء على الناس:

وقال في الثور العقور والجمل الضول والكلب العقور أو شيء من العجماء إذا عرف بالعداء على الناس أمر صاحبه بذبحه وتقدم إليه، فإن عقر أحدا بعد التقدم فهو ضامن له في ماله. قلت فلو كان الثور قد قتل رجلا بعد التقدم إلى سيده ولم يشهد على قتله إلا شاهد واحد هل يحلف ورثة الميت مع شاهدهم ويستحقون الدم؟ قال: نعم يحلفون يمينا واحدة كما يحلف في الحقوق، ويستحقون الدم مع شهادة شاهدهم، وقال لا يكون شيء مما عدوا به على الناس على العاقلة، وإنما ذلك في ماله خاصة وإن بلغ الدية كاملة.
قال محمد بن رشد: قوله إن عدا بعد التقدم إليه فهو ضامن يريد وإن كان التقدم إليه بالجيران دون السلطان، وهو مثل ما في المدونة خلاف ما في سماع عبد الملك بن الحسن من كتاب السلطان أنه لا يضمن إلا أن يتقدم إليه في ذلك بالسلطان، وقد قيل إنه ضامن وإن لم يتقدم إليه ولا أشهد عليه، قاله أشهب وسحنون في الحائط إذا بلغ مبلغا يجب عليه هدمه فتركه، وكذلك يلزم على قياس قولهما في الكلب العقور والجمل الصؤول أنه لا ضمان على صاحبهما بحال، وإن تقدم إليه، فهو قول رابع في المسألة، وقد مضى هذا في سماع يحيى وعبد الملك من كتاب السلطان.
وقوله إنه لا يكون على العاقلة من ذلك شيء وإن كان المعقور حرا خلاف قول ابن وهب في سماع زونان من كتاب السلطان إن ذلك على العاقلة إن بلغ الثلث فصاعدا، وقول ابن القاسم أظهر أن لا يكون على العاقلة من ذلك شيء لأن العاقلة لا تحمل العمد وهذا فيه شبه من العمد؛ لأنه متعد في حبس هذا الحيوان المؤذي حيث لا يجوز له.
وقوله: إنه يستحق ذلك باليمين مع الشاهد الواحد كالحقوق صحيح على قوله في أنه لا يكون على العاقلة من ذلك شيء، ولا يحلف على قياس قوله مع قول العقور، وحكى ابن مزين عن أصبغ أن ذلك لا يثبت إلا بشهادة شاهدين وأنكر رواية عيسى هذه، ويأتي على قياس قول ابن وهب أن يستحق ذلك بما يستحق به دم الخطأ من القسامة وغير ذلك، روى عيسى عن ابن القاسم أنه إن قتل رجل الجمل الصؤول بعد التقدم إلى صاحبه فذكر أنه أراده وصال عليه فلا غرم عليه فيه، ويقبل قوله في ذلك، يريد مع يمينه بغير بينة إذا كان بموضع ليس يحضره الناس، وهذا على ما مضى تحصيل القول فيه في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع في الذي يدعي ضياع ما أؤتمن عليه مما لا يغاب عليه، وبالله التوفيق.

.مسألة قوما أقسموا على رجل فقال أنا قتلته:

وسألته عن الرجل يقتل فيدعي دمه قبل رجل صالح فيصالح عليه ورثته على شيء يدفعه إليهم، ثم يقوم رجل فيقول أنا قتلته.
قال: إن شاء ولاة الدم تماسكوا بصلحهم وأمضوه وإن شاءوا قتل الذي أقر لهم وفسخ الصلح، قلت: وكيف يكون الصلح أبعد أن تثبت لهم القسامة؟ قال: وإن لم تثبت لهم القسامة إذا قال لهم المدعي عليه ما تصنعون بالبينة وطلبها؟ صالحوني فإذا صالحهم جاز الصلح فهم مخيرون في أن يمضوا الصلح وفي أن يقتلوا الذي أقر لهم.
قلت بقسامة أو بغير قسامة؟ قال: بغير قسامة قلت: فلو أن قوما أقسموا على رجل، فقال أنا قتلته؟ قال: ما أخذت الأول إلا من هذا، هم مخيرون إن شاءوا قتلوا الذي أقسموا عليه، وإن شاءوا الذي أقر لهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في أول سماع عيسى، إذ لا فرق بين أن يقر الرجل بقتل الرجل بعد أن صالحوا غيره، أو أقسموا عليه أو وجبت لهم القسامة عليه، فلا معنى لإعادة شيء منه.

.مسألة أصاب الكلب العقور في الموضع الذي لا يجوز اتخاذه قبل التقدم إليه:

قال ابن القاسم: وما أصاب الكلب العقور في الموضع الذي لا يجوز اتخاذه قبل التقدم إليه فصاحبه ضامن.
قال محمد بن رشد: هذا بين أن الاختلاف الذي ذكرناه فيما تقدم في هذا الرسم إنما هو إذا اتخذه في الموضع الذي يجوز له فيه اتخاذه والله الموفق.

.مسألة نصراني حر قتل عبدا مسلما عمدا:

ومن كتاب سلف دينارا:
وقال في نصراني حر قتل عبدا مسلما عمدا، قال فيه اختلاف، ورأى أن يقتل به، قال سحنون أرى عليه قيمته وهو سلعة من السلع.
قال محمد بن رشد: قوله وأرى أن يقتل به معناه إذا أراد سيد العبد المقتول أن يستفيد منه، وأما إن أراد أن يضمنه قيمة عبده ولا يقتله به فلا اختلاف في أن ذلك له، وإنما الاختلاف إذا أراد أن يقتله، فقيل: إن ذلك ليس له وهو الأظهر من جهة اتباع ظاهر ما في القرآن، وذلك أن الله تعالى قال في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] فعم ولم يخص مسلما من كافر، والمعنى في قوله كتب عليكم القصاص أن كتب عليكم الحكم به، فوجب أن يحمل على عمومه في الكافر والمسلم، وقال عز وجل: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] والولي المختص بالرجل هو العاصب والذي له الميراث والعبد لا عاصب له يرثه؛ لأن ميراثه لسيده الذي يملك رقبته وهو ماله، وقيل إن ذلك له، وهو الأظهر من جهة المعنى، وذلك أن القصاص إنما يكون في الموضع الذي تتكافأ فيه الدماء بالحرية والإسلام أو يكون دم المقتول أعظم حرمة من دم القاتل بحرية أو إسلام؛ لأنه إذا كان المسلم يقتل بالمسلم لتكافئ دمائهما بالحرية فالنصراني أحق أن يقتل به لنقصان مرتبته عن مرتبة المسلم، وإذا كان الحر يقتل بالحر لتكافئ دمائهما بالحرية، فالعبد أحرى أن يقتل به لنقصان مرتبته عن مرتبة الحر، فإذا قتل النصراني الحر العبد المسلم فللنصراني مزية على العبد بالحرية، وللعبد عليه مزية بالإسلام، وحرمة الإسلام أعظم من حرمة الحرية، فوجب أن يقتل به ويجعل الآية في قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] مخصوصة على المسلمين المخاطبين بها، بدليل قوله فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ} [البقرة: 178].
وقوله: في آخر الآية الأخرى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] يحتمل أن يدخل فيه السيد؛ لأنه أحق بعيده، وهو يرثه فيكون له بمنزلة العاصب للحر، وهذا القول أظهر وهو قول ابن القاسم أيضا بعد هذا في هذا الرسم، وقول أشهب في سماع عبد الملك والله أعلم.

.مسألة القصاص من حق أولياء المقتول:

وقال ابن القاسم إذا تساوق النصراني إلى حكم المسلمين في قتل وقع بينهم، فقال النصراني القاتل: ليس في ديننا قتل ولا قود.
قال: لا يقبل منه في ذلك لأنه من الفساد وعلى حكم المسلمين أن ينظر في ذلك، فإن شهد عنده على القتل شهيدا عدل من المسلمين مثل من شهد عليه قال عيسى: يسلم إلى أولياء النصراني فإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا استحيوه، فإن عفوا رأيت الإمام أن يضربه مائة ويسجنه سنة.
قال محمد بن رشد: قول عيسى مفسر لقول ابن القاسم، لأن القصاص من حق أولياء المقتول، وضرب مائة وسجن سنة حق لله تعالى لا يجوز العفو عنه، والمسألة بينة صحيحة لا اختلاف فيها؛ لأن القتل العمد من التظالم الذي يجب على الإمام الحكم فيه بين أهل الذمة، وإنما اختلف فيما لم يكن من التظالم كالربا وشبهه من طلاقهم وحدودهم هل يجب على الإمام الحكم بينهم فيه إذا ارتفعوا إليه وحكموه، فقيل إن ذلك يجب عليه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وقيل إن ذلك لا يجب عليه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] وقد مضى الكلام في الاختلاف في تأويل الآيات في هذا واختلاف العلماء في الحكم في ذلك لاختلافهم في تأويلها مستوفى في رسم لم يدرك من سماع عيسى من كتاب التجارة إلى أرض الحرب فلا معنى لإعادته.

.مسألة إذا قتل اليهودي الحر أو النصراني عبدا مسلما:

وقال ابن القاسم: إذا قتل اليهودي الحر أو النصراني عبدا مسلما قتلا به، وإن قتل العبد المسلم النصراني الحر أو اليهودي الحر لم يقتل به وخُيِّرَ صاحبه في أن يفتكه بديته أو يسلمه فيباع له، وقال غيره: لا يقتل واحد منهما؛ لأن العبد مال من الأموال ولكن يضرب ويغرم قيمة العبد.
قال محمد بن رشد: غير ابن القاسم هو قول سحنون الذي تقدم في أول الرسم، وقد مضى الكلام فوق هذا في قتل النصراني الحر العبد المسلم وتوجيه الاختلاف فيه فلا وجه لإعادته.
وأما إذا قتل العبد المسلم النصراني الحر فلا اختلاف في أنه لا يقتل به إذ لا تتكافأ دماؤهما؛ لأن حرمة الإسلام أعظم من حرمة الحرية، فهي جناية من العبد يخير سيده في إسلامه فيها فيباع له إذ لا يمكن النصراني من ملك العبد المسلم أو افتكاكه بها كما قال، وكذلك إذا جرحه يخير السيد في افتكاكه بالجناية أو إسلامه بها إلا أنه يختلف إن أسلمه بها فكان ثمنه أكثر من الجناية فقيل إنه يكون له ثمنه كله، وهو قول ابن القاسم في رواية عيسى عنه في المدنية، قال وكذلك قال مالك، وروى محمد بن صدقة عن مالك مثل ذلك، وقال مطرف وابن الماجشون في ثمانية أبي زيد إذا أبى سيده أن يفتديه بيع وأعطي النصراني من ثمنه دية جرحه فإن فضل فضلٌ فهو لسيده، قال أصبغ بن الفرج: وقد كان مالك يقول هذا في موطئه، ثم رجع عنه وقال يعطى ثمنه كله للنصراني، وهو أصوب القولين عندنا وبالله التوفيق.

.مسألة المدبر يقتل سيده عمدا أو خطأ:

وسئل عن المدبر يقتل سيده عمدا أو خطأ.
قال: إن كان قتله خطأ عتق في ماله ولم يعتق في ديته، وكانت الدية عليه دينا، وليس على عاقلته منها شيء لأنه إنما صنع ما صنع وهو مملوك قال أصبغ، وهذا إذا حمله الثلث، وإن لم يخرج من الثلث عتق منه مبلغ الثلث، وكان عليه من الدية بقدر ما عتق منه، ويؤخذ من ماله إن كان له مال أو يتبع به دينا إن لم يكن له مال ولا يدخل فيما يؤخذ منه من الدية ولا يعتق فيها منه شيء، قال عيسى: قال ابن القاسم: وإن كان قتله عمدا قتل به، فإن كان استحياه الورثة بطل تدبيره وكان عبدا مملوكا قلت لسحنون: فلو فعلت ذلك أم الولد لسيدها خطأ؟ قال: تعتق في ماله، وتكون الدية عليه دينا تتبع به في ذمتها، ولا يكون على عاقلتها منها شيء، وإن كانت قتلته عمدا قتلت به إلا أن يستحييها الورثة على أمر يصطلحون به.
قال محمد بن رشد: أما مسألة المدبر يقتل سيده عمدا أو خطأ فكما قال: لا اختلاف فيه، وقول أصبغ تفسير له، وقد مضت المسألة في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب المدبر.
وأما قول سحنون في أم الولد تقتل سيدها خطأ إنها تعتق في رأس ماله، وتكون الدية عليها دينا تتبع به في ذمتها، ولا يكون على عاقلتها منه شيء ففيه اختلاف، حكى ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم أنها تعتق، ولا تتبع هي ولا عاقلتها بشيء بخلاف المدبر، وقال أصبغ من رأيه: إنها تتبع مثل قول سحنون، فغلب ابن القاسم في حقها حكم الحرية فلم يلزمها الدية لأن ما جنى الحر خطأ فهو على العاقلة لا عليه، ولم يوجب على عاقلتها شيئا إذ لا تحمل العاقلة إلا جناية من قد بتلت حريته، ويلزم على قياس قوله أن يلزمها من الدية ما يجب عليها منها مع العاقلة، وأما أصبغ وسحنون فغلبا في أمرها حكم الرق على حكم الحرية لأن أحكامها أحكام أمة حتى يموت سيدها، والجناية منها عليه متقدمة على موته منها، فأشبهت عندهما المدبر يجني على سيده ثم يعتق في الثلث أن الورثة يتبعونه بما بقي عليه من جنايته بعد خدمته ولا يشتبهان؛ لأن أم الولد لا تتبع بما جنت على سيدها، وقد قال غير ابن القاسم في المدونة: إن المدبر لا يختدمه سيده بالجناية ولا يتبع بعد عتقه بها، فكيف بأم الولد.
واختلف أيضا في المكاتب يقتل سيده فيستحيى، فقال ابن القاسم إنه لا يتبع إلا بالكتابة، وقال عبد الملك جنايته على سيده كجنايته على أجنبي إما ودي الدية معجلة وإلا عجز.
وأما جناية المعتق إلى أجل ثم يخرج حرا ويتبع بما بقي، وقال عبد الملك: يتبع بجميع الدية ولا يحتسب على الورثة بخدمته وبالله التوفيق.

.مسألة إذا وقع الذباب على الدابة فنفخت إنسانا:

ومن كتاب أسلم وله بنون صغار:
وقال ابن القاسم إذا وقع الذباب على الدابة فنفخت إنسانا لم يكن على راكبها شيء.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مثل ما في المدونة وغيرها، لأن ما لم يكن له فيه سبب فهو هدر لأن جرح العجماء جبار بالسنة الثابتة عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ.

.مسألة أصاب رجلا بجراح فأراد أن يصالحه في الجراحات بشيء:

وسئل عن رجل أصاب رجلا بجراح فأراد أن يصالحه في الجراحات بشيء يعطيه عن الجراح والموت إن كان.
فقال لا يصلح الصلح على وضع الموت، ولكنه يصالحه على شيء معلوم ولا يدفع إليه شيئا فإن برئ كان له ما صولح عليه، وإن مات كانت فيه القسامة والدية إن كان خطأ بعد أن يقسموا أو القتل إن كان عمدا.
قال محمد بن رشد: لم يجز ابن القاسم في هذه الرواية الصلح في جراحات العمد، والخطأ عليها وعلى ما تراقت إليه من موت أو غيره جملة من غير تفصيل.
وفي ذلك تفصيل.
أما جرح الخطأ فيما دون الثلث كالموضحة وشبهها فلا اختلاف في أن الصلح فيها على ما تراقت إليه من موت وغيره لا يجوز، لأنه إن مات كانت الدية على العاقلة فهو لا يدري يوم صالح ما يجب عليه مما لا يجب، فإن وقع الصلح على ذلك فسخ متى ما عثر عليه، فإن برئ كانت عليه دية للموضحة، وإن مات كانت الدية فيه على العاقلة بقسامة.
وأما جرح الخطأ فيما فوق الثلث فيتخرج جواز الصلح فيه على ما يتراقى إليه من موت أو غيره على قولين أحدهما أن ذلك لا يجوز، وهو قوله في هذه الرواية وظاهر ما حكى ابن حبيب في الواضحة إذ لم يفرق في جرح الخطأ بين أن يكون أقل من الثلث أو أكثر منه، والثاني أن ذلك جائز إذ لا غرر فيه؛ لأن دية الجراح إنما تجب على العاقلة كما يجب عليه دية النفس، فكأنه إنما صالح عن العاقلة.
وأما جرح العمد فيما فيه القصاص فالمصالحة فيه على وضع الموت جائزة على ظاهر ما في الصلح من المدونة، وما نص عليه ابن حبيب في الواضحة خلاف قوله في هذه الرواية، والجواز فيها أظهر لأنه إذا كان للمقتول أن يعفو عن دمه قبل موته جاز أن يصالح عنه بما شاء.
وأما جرح العمد الذي لا قصاص فيه فلا يجوز الصلح فيه على وضع الموت، حكى ذلك ابن حبيب في الواضحة ولا أعرف فيه نص خلاف.
وأما الصلح فيه على الجرح دون وضع الموت فأجازه ابن حبيب فيما له دية مسماة كالمأمومة والمنقلة والجائفة، قال في موضع واحد: إن الصلح فيه جائز على ما تراقى إليه مما دون النفس، وقال في موضع آخر لا يجوز إلا فيه بعينه على ما تراقى إليه من زيادة ولم يجزه فيما لا دية له مسماة إلا بعد البرء، فهذا تحصيل الاختلاف في هذه المسألة.
واختلف إذا صالحه على الجرح الخطأ أو العمد خاصة فنزي في جرحه فمات على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن أولياء المجروح بالخيار بين أن يتمسكوا بصلحهم وبين أن يردوا ما وقع به الصلح فيقسموا ويقتلوا في العمد ويأخذوا الدية في الخطأ من العاقلة، وهو قول أصبغ في الواضحة.
والثاني: أنه ليس لهم أن يتمسكوا بالصلح لا في العمد ولا في الخطأ إلا برضى القاتل، لأن من حقه أن يقول في العمد قد عادت الجناية فليس لكم أن تتمسكوا بالصلح، لأنه إنما لهم القسامة والقود، هو قول أشهب على أصله في أن من قطعت يده فنزي فيها فمات أن أولياء القتيل إنما لهم أن يقسموا ويقتلوا، وليس لهم القود في الجرح إن أبوا من القسامة، لأن الدم آل إلى النفس كما أن من حقه أن يقول في الخطأ قد عادت الجناية إلى النفس، ووجبت الدية على العاقلة بقسامتكم فردوا عليَّ مالي.
والثالث: الفرق بين العمد والخطأ وهو مذهب ابن القاسم وظاهر قوله في المدونة وفي رسم المكاتب من سماع يحيى بعد هذا فيخير ورثة المقتول في العمد بين أن يتمسكوا بالصلح وبين أن يردوه ويقسموا فيقتلوا على أصله في أن من قطعت يده فنزي فيها فمات أن الورثة بالخيار بين أن يقسموا ويقتلوا وبين أن يقطعوا يده ولا يقسموا ولا يخيروا في الخطأ، فيردون على الجارح ما أخذ منه في الصلح ويقسمون فيستحقون الدية على العاقلة، وبالله التوفيق.

.مسألة قتل عمدا وله مائة دينار وعليه مائة دينار وقد أوصى بوصايا:

وفي كتاب جاع فباع امرأته قلت: فلو قتل عمدا وله مائة دينار وعليه مائة دينار، وقد أوصى بوصايا فعفا عن القاتل فأخذت الدية.
قال: يقضي المائة الدين من المائة التي علم، وتكون الدية خالصة لورثة المقتول وتسقط الوصايا.
قلت: فلو كان ترك مائة دينار وخمسة وأربعين دينارا وعليه مائة دينار دين وأوصى بوصايا ثم طرأ له مال بعد الموت؟ قال يقضي المائة من هذا المال الذي علم به، وينظر إلى ما فضل وذلك خمسة وأربعون دينارا فتكون لأهل الوصايا خمسة عشر دينارا يتحاصون فيها على قدر وصاياهم، إلا أن يكون في الوصية عتق فيبدأ به في الخمسة عشر دينارا على أهل الوصايا، ويكون لورثة الميت ثلاثون دينارا، ويكون المال الطارئ لأهل ميراثه لا يدخل فيها شيء من وصاياه إلا أن يكون تدبيرا فإن كان مدبر ووصايا فإن المدبر يعتق بعد إخراج الدين فيما علم وفيما لم يعلم.
وتفسير ذلك أنه لا ينظر في ثلث هذا المال الذي علم به بعد إخراج الدين منه، فإن كان ثلثه مائة دينار وثلث المال الطارئ مائتان قسمت قيمة المدبر على الثلث والثلثين فعتق ثلثاه في ثلث الطارئ وثلثه في ثلث المال الذي علم به، فإن فضل من ثلث المال الذي علم به بعد عتق ثلث المدبر فيه شيء كان ما فضل لأهل الوصايا، وإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم، وإن أحاط الذين بجميع المال الذي علم به سقطت الوصايا، ورجع المدبر فعتق به في ثلث المال الطارئ أو ما حمل منه الثلث.
قال ولو كان الدين أكثر من المال الذي علم به الميت قضى صاحب الدين المال الذي علم به الميت، ورجع فتقاضى بقية حقه من المال الطارئ، ثم كان المدبر في ثلث ما بقي من المال الطارئ وسقطت الوصايا.
قال محمد بن رشد: لم يفرق في هذه الرواية بين تدبير الصحة والمرض، وقال إنه يدخل فيما علم الميت من المال، وفيما لم يعلم بظاهر قوله: إن المدبر في المرض يدخل فيما لم يعلم به الميت من المال، وهو نص قوله في رسم المدبر من سماع أصبغ من كتاب المدبر، ونص قوله أيضا في المدنية من رواية عيسى عنه خلاف مذهبه في المدونة من أنه لا يدخل فيما لم يعلم به الميت من المال إلا المدبر في الصحة.
واختلف في المبتل في المرض هل يدخل فيما لم يعلم به الميت من المال أم لا؟ فالمنصوص عليه لابن القاسم في رسم المدبر من سماع أصبغ من كتاب المدبر أنه لا يدخل فيما لم يعلم به من المال بخلاف المدبر في المرض، وقد مضى هناك الكلام إذا اجتمعا جميعا على هذا القول وللميت مال قد علم به ومال لم يعلم به، فلا معنى لإعادته.
وسائر ما ذكره في هذه الرواية من أن الوصايا لا تدخل فيما يطرأ للميت من مال لم يعلم به صحيح لا اختلاف فيه.
وما ذكره من أنه إذا كان على الميت من الدين مثل ما ترك من المال وطرأ له مال لم يعلم به أن الدين يخرج من المال الذي علم به، ولا يكون لأهل الوصايا شيء من المال الذي لم يعلم به، بين لا إشكال فيه والحمد لله.

.مسألة قتل عبدا وله وليان وترك مائة دينار وعليه مائة دينار دينا:

قلت: فلو أن رجلا قتل عبدا وله وليان وترك مائة دينار وعليه مائة دينار دينا، فعفا أحد الوليين عن الدم والدية وأخذ الذي لم يعف منها من الدية خمسمائة دينار؟
قال: تفض المائة الدين على المائة التي مات عنها الميت وعلى الخمسمائة التي أخذت من الدية، فيصيب كل مائة من الدين ما أصابها عنده، ثم يرجع الذي لم يعف فيقاسم صاحبه ما بقي من المائة التي مات عنها الميت بعد إخراج سدس المائة الدين منها.
وتفسير ذلك أن حسابها يقوم من اثني عشر سهما، ألا ترى لو أن الميت لم يكن عليه دين، وقد مات عن مائة دينار لكان لهذا الخمسمائة دينار من الدية خالصا، وكان له نصف المائة التي مات عنها، فصار له إذا ضمت الخمسمائة إلى المائة، ثم قسمت صار للذي لم يعف أحد عشر جزءا من اثني عشر جزءا، وللذي عفا جزء من اثني عشر جزءا، وذلك خمسون دينارا، فأحببنا أن نفرق بهذا ما يرجع به هذا الذي عفا على الذي كان لم يعف في الخمسمائة التي أخذ من الدية إذا قضيت هذه المائة الدينار التي مات عنها هذا الغريم، فقلنا تقسم الخمسمائة على اثني عشر جزءا، فيكون للذي لم يعف أحد عشر جزءا، ويصير للذي عفا جزء، فيصير له في الجزء من الخمسمائة دينار من الاثني عشر جزءا أحد وأربعون دينارا وثلثا دينار.
قال محمد بن رشد: في قوله في هذه المسألة: فيصير له في الجزء من الخمسمائة دينار من الاثني عشر جزءا تقديم وتأخير يحصل منه بعض إشكال، وصوابه فيصير له من الخمسمائة في الجزء من الاثني عشر. وهي مسألة صحيحة مثل التي تقدمت في آخر أول رسم من هذا السماع، ومضى بيانها هناك على ما نزلها فيه من الدين كان خمسمائة، والذي ترك الميت من الناض خمسمائة، وهذه ذكر فيها أن الدين مائة، والذي ترك الميت من الناض مائة، فهي على قياس تلك سواء، لأن الواجب فيها أن يكون على كل واحد منهما من المائة الدين بقدر ما يجب له من المال، والذي يجب للذي عفا من الابنين خمسون دينارا لا أكثر نصف المائة الناضة التي ترك المتوفى، ويجب للذي لم يعف خمسمائة، وخمسون نصف المائة الناضة التي تركها المتوفى، والخمسمائة التي صارت له من الدية إذا لم يعف كما عفا أخوه، فيجب على الذي عفا من الدين بقدر ما صار له من المال، وذلك نصف سدسه: ثمانية وثلث، يبقى له من الخمسين أحد وأربعون وثلثان؛ ويجب على الذي لم يعف من الدين بقدر ما صار له أيضا من المال، وذلك خمسة أسداسه ونصف سدسه: أحد وتسعون وثلثان، يبقى له من الخمسمائة وخمسين أربعمائة وثمانية وخمسون وثلث، فإن قبض صاحب الدين المائة الناضة في دينه وبقيت بين الابن الذي لم يعف الخمسمائة التي صارت له من الدية، رجع عليه الذي عفا بالواجب له من الخمسمائة إذ قد أخذ صاحب الدين المائة الناضة، وذلك أحد وأربعون وثلثان كما قال في الرواية، ويبقى للأخ الآخر من الخمسمائة أربعمائة وثمانية وخمسون وثلث، وبالله التوفيق.